فصل: الحديث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الحَادِي وَالْخَمْسُونَ:

عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا تَوَضَّأت فخلل أَصَابِع يَديك ورجليك».
قَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد، نَا سعد بن عبد الحميد بن جَعْفَر، نَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن صَالح مولَى التوءمة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا. وَأخرجه أَيْضا الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد الْهَاشِمِي، نَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن غَرِيب. وَقَالَ فِي علله: سَأَلت مُحَمَّدًا- يَعْنِي البُخَارِيّ- عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث حسن ومُوسَى بن عقبَة سمع من صَالح مولَى التوءمة قَدِيما، وَكَانَ أَحْمد يَقُول: من سمع من صَالح مولَى التوءمة قَدِيما فسماعه حسن، وَمن سمع مِنْهُ أخيرًا- فَكَأَنَّهُ يضعف سَمَاعه- وَابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ أخيرًا، ويروي عَنهُ مَنَاكِير. هَذَا آخر كَلَام البُخَارِيّ، وَسَنذكر فِي آخر كتاب الْجَنَائِز أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي صَالح هَذَا- إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقدره.
ابْن أبي الزِّنَاد وَثَّقَهُ مَالك، وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيره: لَا يحْتَج بِهِ. وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَيْضا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ مستشهدًا بِهِ، وَقَالَ: صَالح هَذَا أَظُنهُ مولَى التوءمة- قلت: هُوَ قطعا كَمَا تقدم فِي رِوَايَة الْأَوَّلين- فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من شَرط الْكتاب، وَإِنَّمَا أخرجته شَاهدا.

.الحديث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ عَلَى سَبِيل الْمُوَالَاة، وَقَالَ: هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ».
أما كَونه تَوَضَّأ عَلَى سَبِيل الْمُوَالَاة فَصَحِيح ثَابت فِي غير مَا حَدِيث مستفيض، فَكل من وصف وضوءه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يصفه إِلَّا متواليًا مُرَتبا.
وَأما أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ» فَتقدم بَيَانه فِي حَدِيث ابْن عمر وَأبي بن كَعْب السَّابِقين حَيْثُ «تَوَضَّأ مرّة مرّة وَقَالَ: هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ» وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِمَا وَاضحا فِي الْبَاب، وهما الحَدِيث الثَّلَاثُونَ مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ:

«أَن رجلا تَوَضَّأ وَترك لمْعَة فِي عقبه، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغسْل ذَلِك الْموضع وَلم يَأْمُرهُ بالاستئناف».
هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر عَلَى قدمه فَأَبْصَرَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ارْجع فَأحْسن وضوءك. فَرجع ثمَّ صَلَّى» رَوَاهُ مُسلم. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما «فَرجع فَتَوَضَّأ ثمَّ صَلَّى».
قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ عَن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقد رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن عمر مَوْقُوفا.
قلت: فِي الأول ابْن لَهِيعَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عمر قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يتَوَضَّأ فَترك مَوضِع الظفر عَلَى قدمه فَأمره أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة».
وَفِي رِوَايَة للدارقطني «أَن عمر بن الْخطاب رَأَى رجلا وبظهر قدمه لمْعَة لم يصبهَا المَاء قَالَ: فَقَالَ لَهُ عمر: أَبِهَذَا الْوضُوء تحضر الصَّلَاة؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الْبرد شَدِيد وَمَا معي مَا يدفئني. فرق لَهُ عمر بَعْدَمَا هم بِهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: اغسل مَا قد تركت من قدمك وَأعد الصَّلَاة. وَأمر لَهُ بخميصة».
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تَوَضَّأ وَترك عَلَى ظهر قدمه مثل الظفر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْجع فَأحْسن وضوءك».
رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: تفرد بِهِ جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس وَهُوَ ثِقَة.
وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَقَالَ: رُوَاته كلهم ثِقَات مجمع عَلَى عدالتهم. قَالَ: وَشَاهده مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن بَقِيَّة، عَن بحير- يَعْنِي: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَآخره رَاء مُهْملَة، وَهُوَ ابْن سعد- عَن خَالِد بن معدان، عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَى رجلا يُصَلِّي وَفِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء، فَأمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة». قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطع. وَقَالَ فِي سنَنه: مُرْسل. قَالَ: وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «ارْجع فَأحْسن وضوءك» يُرِيد بِهِ- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- غسل مَا لم يصبهُ المَاء.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: يُرِيد الْبَيْهَقِيّ بقوله: هُوَ مُرْسل لعدم ذكر الصَّحَابِيّ الرَّاوِي، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجْعَل الحَدِيث فِي حكم الْمُرْسل الْمَرْدُود عِنْد أهل الحَدِيث؛ فَإِن سَمَّاهُ مُرْسلا مَعَ أَن حكمه حكم الْمَوْصُول فَلَا يضر الْمُسْتَدلّ بِهِ.
وَكَذَا حكم عَلَيْهِ بِالْإِرْسَال ابْن الْقطَّان وَعَابَ عَلَى عبد الْحق حَيْثُ عقبه بِبَقِيَّة دونه.
وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لَهُ- يَعْنِي: أَحْمد- هَذَا إِسْنَاد جيد؟ قَالَ: نعم. قلت لأبي عبد الله: إِذا قَالَ رجل من التَّابِعين: حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمه؛ فَالْحَدِيث صَحِيح؟ قَالَ: نعم. وَفِي هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا الْأَثْرَم عَن أبي عبد الله تَعْلِيقا «أَن رجلا تَوَضَّأ وَترك موضعا من جسده...».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَقَالَ شَيخنَا- يَعْنِي: الشَّيْخ زكي الدَّين-: فِي إِسْنَاده بَقِيَّة، وَفِيه مقَال. قَالَ الشَّيْخ: قلت: فِي الْمُسْتَدْرك من طَرِيق بَقِيَّة نَا بحير فعلَى هَذَا سلم من تُهْمَة التَّدْلِيس من بَقِيَّة فِي رِوَايَته عَن بحير. انْتَهَى كَلَام الشَّيْخ.
وَقَوله: قلت فِي الْمُسْتَدْرك. لَعَلَّه وهم من النَّاسِخ، فَإِن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ لَهُ ذكر فِيهِ وَإِنَّمَا صَوَابه فِي الْمسند- يَعْنِي لِأَحْمَد بن حَنْبَل- فَإِنَّهُ أخرجه كَذَلِك فِيهِ، وَفِيه: «عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» بدل: «أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَقد وَقع عَلَى الصَّوَاب فِي الْإِلْمَام للشَّيْخ، فَتبين أَن الْمَذْكُور غلط من النَّاسِخ، وَقد تبع الشَّيْخ فِي هَذَا الْغَلَط إمامان من جلة شُيُوخنَا الْحفاظ، فإياك والتقليد.
وأعل ابْن حزم حَدِيث بَقِيَّة هَذَا، فَقَالَ فِي محلاه: خبر لَا يَصح؛ لِأَن رَاوِيه بَقِيَّة، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَفِي السَّنَد من لَا يُدرى من هُوَ. وَقد تقدم لَك الْجَواب عَن ذَلِك، وَأَن جَهَالَة الصَّحَابِيّ لَا تضر، كَيفَ وَهُوَ يَقُول فِي محلاه فِي كتاب الصَّلَاة فِي مَسْأَلَة وَمَا عمله الْمَرْء فِي صلَاته: كل نسَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِقَات فواضل عِنْد الله مقدسات بِيَقِين. وَقد علمت أَن أَحْمد رَوَاهُ عَن بعض أَزوَاج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأجمل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب القَوْل فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد. وَقد علمت حَاله، وَلِلْحَدِيثِ الَّذِي ذكره المُصَنّف- رَحِمَهُ اللَّهُ- طَرِيقَانِ آخرَانِ:
أَحدهمَا: عَن الْمُغيرَة بن سِقلاب- بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة- عَن الْوَازِع بن نَافِع، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن أبي بكر وَعمر رَضي اللهُ عَنهما قَالَا: «جَاءَ رجل وَقد تَوَضَّأ وَبَقِي عَلَى ظهر قَدَمَيْهِ مثل ظفر إبهامه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْجع فَأَتمَّ وضوءك فَفعل».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَقَالَ: الْوَازِع ضَعِيف. وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي أَوسط معاجمه لَكِن من رِوَايَة أبي بكر وَحده، ثمَّ قَالَ: لَا يرْوَى عَن أبي بكر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَإِن ابْن السقلاب تفرد بِهِ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ إِلَّا من هُوَ مثله. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد، والوازع بن نَافِع ضَعِيف الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي المتَوَكل عَلّي بن دَاوُد- وَيُقَال: ابْن دؤاد- قَالَ: «تَوَضَّأ عمر وَبَقِي عَلَى ظهر رجله لمْعَة لم يصبهَا المَاء فَأمره رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعِيد الْوضُوء».
رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي علله عَن أَبِيه، عَن قراد أبي نوح، عَن شُعْبَة، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي المتَوَكل ثمَّ قَالَ: قَالَ أبي: أَبُو المتَوَكل لم يسمع من عمر، وَإِسْمَاعِيل هَذَا لَيْسَ بِهِ بَأْس.
فَائِدَة: اللمْعَة المتكررة فِي هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ- بِضَم اللَّام- وَهِي الْجُزْء.

.الحديث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ:

رَوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَنا لَا أستعين فِي وضوئي بِأحد. قَالَه لعمر رَضي اللهُ عَنهُ وَقد بَادر ليصب المَاء عَلَى يَدَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ أحد من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة فَقَالَ فِي الْمجْلس السَّادِس: قَرَأت عَلَى عَلّي بن عبيد الله، أَنا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الزَّعْفَرَانِي- إجَازَة- أَنا القَاضِي أَبُو عَلّي الْحسن بن عَلّي الصفار، ثَنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن جَعْفَر الْجِرْجَانِيّ، ثَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد الجلاد بتنيس، وَمُسلم بن الْفضل الْآدَمِيّ بِمصْر قَالَا: نَا مُحَمَّد بن عُثْمَان، ثَنَا عبد الله بن عمر بن أبان، ثَنَا النَّضر بن مَنْصُور الْفَزارِيّ، نَا عقبَة بن عَلْقَمَة- وَهُوَ أَبُو الْجنُوب- قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضي اللهُ عَنهُ يَسْتَقِي مَاء لوضوئه، فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه! إِنِّي رَأَيْت عمر بن الْخطاب يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْحُسَيْن! إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَقِي مَاء لوضوئه من مَاء زَمْزَم فِي ركوة فبادرت أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا عمر! فَإِنِّي أُرِيد أَلا يُعِيننِي عَلَى صَلَاتي أحد...» وَذكره أَيْضا بِهَذِهِ السِّيَاقَة من حَدِيث النَّضر بن مَنْصُور الشيخُ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ أَبُو عَلّي الْحسن بن عَلّي بن شبيب المعمري وَاللَّفْظ لروايته فِي كتاب الطَّهَارَة من السّنَن قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث النَّضر بن مَنْصُور- أَيْضا- عَن أبي الْجنُوب قَالَ: «رَأَيْت عليًّا رَضي اللهُ عَنهُ يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فَأَرَدْت أَن أعينه عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن عمر بن الْخطاب رَضي اللهُ عَنهُ استقى مَاء لوضوئه فَقلت: أَلا أعينك عَلَيْهِ؟ قَالَ لَهُ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَقِي مَاء لوضوئه، فَأَرَدْت أَن أعينه عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَا أحب أَن يُعِيننِي عَلَى وضوئي أحد» رَوَاهُ عبد الله بن سعيد الْكِنْدِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى النَّضر، وقَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَأَبُو الْجنُوب لَا نعلم حدث عَنهُ إِلَّا النَّضر بن مَنْصُور، وَالنضْر قد حدث عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. وَرَوَاهُ ابْن عدي أَيْضا من حَدِيث أبي هِشَام الرِّفَاعِي، عَن النَّضر، عَن أبي الْجنُوب عقبَة بن عَلْقَمَة قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرته استقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا أَبَا الْجنُوب! فَإِنِّي سَمِعت عمر يَقُول: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَقِي مَاء لوضوئه فبادرته أستقي لَهُ فَقَالَ: مَه يَا عمر! فَإِنِّي أكره أَن يشركني فِي طهوري أحد» ثمَّ رَوَى ابْن عدي، عَن مُحَمَّد بن عَلّي، عَن عُثْمَان بن سعيد قلت ليحيى بن معِين: النَّضر بن مَنْصُور تعرفه، رَوَى عَنهُ ابْن أبي معشر، عَن أبي الْجنُوب، عَن عَلّي من هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ حمالَة الْحَطب. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَن رُوَاته النَّضر بن مَنْصُور عَن أبي الْجنُوب عَن عَلّي، وهما غير حجَّة فِي الدَّين، وَلَا يعْتد بنقلهما.
قلت: وَالنضْر بن مَنْصُور ضَعِيف جدًّا، قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ الرَّازِيّ: مَجْهُول يروي أَحَادِيث مُنكرَة. وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحْتَج بِهِ وَلَا يعْتَبر بحَديثه. وَأَنا أتعجب من الشَّيْخ زكي الدَّين- رَحِمَهُ اللَّهُ- كَيفَ سَاق هَذَا الحَدِيث فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب ساكتًا عَنهُ وحاله مَا ذكرت، وَقد خرج غير وَاحِد من الْأَئِمَّة تَضْعِيفه! قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي «التَّذْكِرَة فِي الْأَحَادِيث المعلولة»: النَّضر بن مَنْصُور هَذَا الَّذِي لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْإِعْلَام فِي نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: هَذَا لم أجد لَهُ أصلا وَلَا وجدت لَهُ ذكرا فِي شَيْء من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة قَالَ: وَلَو ثَبت فَهُوَ غير مُنَاقض للأحاديث الصَّحِيحَة المثبتة لاستعانته فِي وضوئِهِ، وسبيل الْجمع بَينهمَا أَن يحمل تِلْكَ عَلَى بَيَان الْجَوَاز وَيحْتَمل هَذَا عَلَى سَبِيل الِاسْتِحْبَاب. قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد مَعْنَى «أَنا لَا أستعين» لَا أستحب.
وَقَالَ النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي شرح الْمُهَذّب: فَهَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ.
فَإِن قلت: قد ورد فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث قريب من هَذَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي جَمْرَة- بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة- عَن ابْن عَبَّاس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يكل طهوره إِلَى أحد، وَلَا صدقته الَّتِي يتَصَدَّق بهَا حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يتولاها بِنَفسِهِ».
قلت: هُوَ أَيْضا حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده: مطهر- بِضَم الْمِيم وبالطاء الْمُهْملَة وَالْهَاء- بن الْهَيْثَم، قَالَ ابْن حبَان: يَأْتِي عَن مُوسَى بن عَلّي بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَعَن غَيره من الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث نقلهما ابْن الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء ثمَّ الشَّيْخ فِي الإِمام.
وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي الْحَاوِي الْكَبِير للماوردي عَلَى نمط آخر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: «رُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق رَضي اللهُ عَنهُ هم بصب المَاء عَلَى يَد رَسُول الله فَقَالَ: لَا أحب أَن يشاركني فِي وضوئي أحد» وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره كَمَا سلف أَنه وَقع ذَلِك لعمر؛ فلتطلب هَذِه الرِّوَايَة.

.الحديث الخَامِس وَالْخَمْسُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَانَ بأسامة فِي صب المَاء عَلَى يَدَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنهُ «أَنه صب عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وضوئِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع بعد دَفعه من عَرَفَة بَينهَا وَبَين الْمزْدَلِفَة».
وَهَذَا لفظ مُسلم: عَن أُسَامَة بن زيد «أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَفَاضَ من عَرَفَة، فَلَمَّا جَاءَ الشّعب أَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ ذهب إِلَى الْغَائِط، فَلَمَّا رَجَعَ صببت عَلَيْهِ من الْإِدَاوَة فَتَوَضَّأ ثمَّ ركب حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع بهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء».
وَلَفظ البُخَارِيّ: عَن أُسَامَة بن زيد: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَفَاضَ من عَرَفَة عدل إِلَى الشّعب فَقَضَى حَاجته، قَالَ أُسَامَة: فَجعلت أصب عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأ فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتُصَلِّي؟ قَالَ: المصلىأمامك».

.الحديث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَانَ بِالربيعِ بنت معوذ فِي صب المَاء عَلَى يَدَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن زَكَرِيَّا بن عدي، ثَنَا عبيد الله بن عَمْرو، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتينا فِي منزلنا، فآخذ ميضأة لنا تكون مدًّا وَثلث مد- أَو ربع- فأسكب عَلَيْهِ فيتوضأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا الْهَيْثَم بن جميل، نَا شريك، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت: «أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بميضأة، فَقَالَ: اسكبي. فَسَكَبت فَغسل وَجهه وذراعيه، وَأخذ مَاء جَدِيدا فَمسح بِهِ رَأسه، مقدمه ومؤخره، وَغسل قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا».
قد تقدم الْكَلَام فِي ابْن عقيل قَرِيبا فِي الْبَاب.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَرَوَاهُ أَبُو مُسلم الْكشِّي عَن أبي عمر، عَن بشر بن الْمفضل، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت: «صببت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ وَقَالَ لي: اسكبي عليّ». وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح وَالشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامهمَا عَلَى الْمُهَذّب»: هَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.
قلت: أما أَبُو دَاوُد فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهَا أحضرت لَهُ المَاء، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا صبَّتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظ أبي دَاوُد عَن الرّبيع قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتينا...» فحدثتنا أَنه قَالَ: «اسكبي لي وضُوءًا....» فَذكر وضوء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيهِ: «فَغسل كفيه ثَلَاثًا...» إِلَى آخِره، فَلَا يحسن مِنْهُ أَن يُورِدهُ عقب قَول صَاحب الْمُهَذّب: إِن الرّبيع صبته عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأما التِّرْمِذِيّ فَلم يُخرجهُ بِالْكُلِّيَّةِ، ذَاك حَدِيث آخر أخرجه التِّرْمِذِيّ عَنْهَا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ بَدَأَ بمؤخر رَأسه ثمَّ بمقدمه، وبأذنيه كلتاهما ظهورهما وبطونهما».
وَالْعجب من الشَّيْخ زكي الدَّين- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي أَمر آخر وَرَاء هَذَا وَهُوَ أَنه لما أخرج هَذَا الحَدِيث فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب قَالَ فِي أول كَلَامه: هَذَا حَدِيث حسن. ثمَّ قَالَ فِي آخِره: وَعبد الله بن عقيل ضَعِيف. فَكيف يكون الحَدِيث حسنا ومداره عَلَى ضَعِيف كَمَا يزْعم! وَقد قدمنَا فِي الْبَاب اخْتِلَاف أهل هَذَا الْفَنّ فِي تَضْعِيفه وتوثيقه، وَأَن التِّرْمِذِيّ تَارَة يحسن حَدِيثه وَتارَة يُصَحِّحهُ، فَهَذَا الحَدِيث عَلَى رَأْيه إِمَّا حسن وَإِمَّا صَحِيح، وَقد صرح بِأَنَّهُ حسن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب.

.الحديث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَانَ بالمغيرة بن شُعْبَة لمَكَان جُبَّة ضيقَة الكمين كَانَ قد لبسهَا، فعسر عَلَيْهِ الإسباغ مُنْفَردا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا من طرق عَن الْمُغيرَة مِنْهَا رِوَايَة مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي، عَن الْمُغيرَة قَالَ: «كنت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ يَا مُغيرَة: خُذ الْإِدَاوَة. فأخذتها ثمَّ خرجت مَعَه فَانْطَلق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى توارى عني حَتَّى قَضَى حَاجته، ثمَّ جَاءَ وَعَلِيهِ جُبَّة شامية ضيقَة الكمين، فَذهب يخرج يَده من كمها فضاقت فَأخْرج يَده من أَسْفَلهَا، فَصَبَبْت عَلَيْهِ فَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ مسح عَلَى خفيه ثمَّ صَلَّى» اللَّفْظ لمُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ نَحوه. وَفِي رِوَايَة لَهما: «جُبَّة من صوف». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه «جُبَّة رُومِية» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «شامية أَو رُومِية».
وَاعْلَم أَن السَّبَب الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِي الِاسْتِعَانَة تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فِي وسيطه وَهُوَ تبع إِمَامه. قَالَ ابْن الصّلاح: فِي بعض طرق حَدِيث الْمُغيرَة. وَذكر السَّبَب الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِي الِاسْتِعَانَة مشْعر بوجودها مِنْهُ لَا لضيق الكمين نَفسه فَحسب؛ فَإِنَّهُ اسْتَعَانَ فِي غسل وَجهه بِهِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى غسل يَدَيْهِ ضَاقَتْ كماه فَلم يسْتَطع أَن يخرج يَدَيْهِ مِنْهُمَا فأخرجهما من أَسْفَل الْجُبَّة وغسلهما.
فَائِدَة: الْمُغيرَة- بِضَم الْمِيم وَكسرهَا- حَكَاهُمَا ابْن السّكيت وَغَيره، وَالضَّم أشهر، كنيته أَبُو عِيسَى، أحد دهاة الْعَرَب الْأَرْبَعَة، أسلم عَام الخَنْدَق، وَتُوفِّي سنة خمسين، وَمن طرف أخباره أَنه حَكَى أَنه أحصن فِي الْإِسْلَام ثَلَاثمِائَة امْرَأَة، وَقيل: ألف امْرَأَة.
فَائِدَة أُخْرَى: أَشَارَ الإِمَام الرَّافِعِيّ إِلَى أَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتَعَانَ أَحْيَانًا أخر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعَانَ أَحْيَانًا مِنْهَا عَن أُسَامَة وَالربيع والمغيرة.
وَقد رُوِيَ أَنه اسْتَعَانَ فِي مَرَّات أخر، فَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث حُذَيْفَة ابْن أبي حُذَيْفَة عَن صَفْوَان بن عَسَّال رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم المَاء فِي الْحَضَر وَالسّفر فِي الْوضُوء».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة حُذَيْفَة بن أبي حُذَيْفَة وَأَشَارَ إِلَى تَضْعِيفه فَقَالَ: وَلم يذكر حُذَيْفَة سَمَاعا من صَفْوَان.
وَفِي سنَن ابْن مَاجَه أَيْضا عَن أم عَيَّاش- بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت وبالشين الْمُعْجَمَة- رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت أوضئ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا قَائِمَة وَهُوَ قَاعد».
فِي إِسْنَاده عبد الْكَرِيم بن روح الْبَصْرِيّ قَالَ الرَّازِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف.
وَعَن عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت، عَن رجل من قيس قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ».
وَعَن أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: «كنت أوضئ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرغ عَلَى يَده المَاء».
وَعَن عُلَي- بِضَم الْعين وَفتح اللَّام عَلَى الْمَشْهُور- بن رَبَاح- بِالْبَاء الْمُوَحدَة- عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «صببت عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: يَا عَمْرو، لعَلي أَبْعَثك عَلَى جَيش فيسلمك الله وأزعب لَك فِيهِ زعبة من المَال. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لم أسلم رَغْبَة فِي المَال. قَالَ: نعما بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح».
ذكر هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام قَالَ: وأزعب- بالزاي الْمُعْجَمَة الساكنة وَبعدهَا عين مُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء- قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ أُعْطِيك دفْعَة من المَال.

.الحديث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ:

وَهُوَ يجمع ثَلَاثَة أَحَادِيث؛ فَإِن الإِمَام الرَّافِعِيّ قَالَ: هَل يسْتَحبّ ترك تنشيف الْأَعْضَاء؟ فِيهِ وَجْهَان.
أظهرهمَا: نعم؛ لما رُوي عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا ينشف أعضاءه». وَعَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا، فيغتسل ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة وَرَأسه يقطر مَاء».
وَالثَّانِي: لَا يسْتَحبّ ذَاك، وَعَلَى هَذَا اخْتلفُوا؛ فَمنهمْ من قَالَ: لَا يسْتَحبّ التنشيف أَيْضا، وَقد رُوِيَ من فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التنشيف وَتَركه، وكل حسن وَلَا تَرْجِيح. وَمِنْهُم من قَالَ: يسْتَحبّ التنشيف؛ لما فِيهِ من الِاحْتِرَاز عَن التصاق الْغُبَار، فَإِذا فرعنا عَلَى الْأَظْهر- وَهُوَ اسْتِحْبَاب التّرْك- فَهَل نقُول التنشيف مَكْرُوه أم لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه:
أظهرها: لَا؛ لِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «اغْتسل فَأتي بملحفة ورسية فالتحف بهَا حَتَّى رئي أثر الورس عَلَى عكنه» وَلَو كَانَ مَكْرُوها مَا فعل.
وَالثَّانِي: نعم؛ لِأَنَّهُ إِزَالَة لأثر الْعِبَادَة فَأشبه إِزَالَة الخلوف للصَّائِم.
وَالثَّالِث: حُكِيَ عَن القَاضِي حُسَيْن: أَنه إِن كَانَ فِي الصَّيف كره، وَإِن كَانَ فِي الشتَاء لم يكره لعذر الْبرد.
هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ يشْتَمل عَلَى ثَلَاثَة أَحَادِيث.
الأول: حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ وَهُوَ حَدِيث غير مَشْهُور فِي كتب الْأُصُول حَتَّى إِن بَعضهم أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَار عَلَى الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي رِوَايَته لَهُ، وَقد رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه عَن مُحَمَّد بن نَاصِر، نَا أَبُو مَنْصُور بن عبد الرَّزَّاق، ثَنَا أَبُو بكر بن الْأَخْضَر، أَنا ابْن شاهين، نَا أَحْمد بن سُلَيْمَان، نَا مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان، نَا عقبَة بن مكرم، نَا يُونُس بن بكير، عَن سعيد بن ميسرَة، عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يمسح وَجهه بالمنديل بعد الْوضُوء، وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا عَلّي ولَا ابْن مَسْعُود».
وَرَأَيْت بعد ذَلِك فِي النَّاسِخ والمنسوخ لِابْنِ شاهين بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَهُوَ قد أَخذه مِنْهُ.
قلت: قد رُوِيَ عَن أنس بن مَالك مَا يُخَالف هَذَا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَمِعت أبي ذكر حَدِيثا رَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ خرقَة يمسح بهَا» فَقَالَ: رَأَيْت فِي بعض الرِّوَايَات عَن عبد الْعَزِيز «أَنه كَانَ لأنس بن مَالك خرقَة» وَالْمَوْقُوف أشبه، وَلَا يحْتَمل أَن يكون مُسْندًا.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: عبد الْوَارِث وَعبد الْعَزِيز من الثِّقَات عِنْدهم، فَإِذا صَحَّ الطَّرِيق إِلَى عبد الْوَارِث فلقائل أَن يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَا يعلله بِتِلْكَ الرِّوَايَة الْمَوْقُوفَة. وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فَإِنَّهُ لما ذكر حَدِيث عَائِشَة الضَّعِيف «كَانَت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرقَة ينشف بهَا بعد الْوضُوء» قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو معَاذ الْفضل بن ميسرَة رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد وَأَثْنَى عَلَيْهِ، قَالَ: وَقد رُوي عَن أنس بن مَالك وَغَيره، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ.
قلت: لَكِن قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: لَا يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء فِي هَذَا الْبَاب- يَعْنِي أَنه تنشف بعد وضوء- قَالَ: وَرخّص قوم من أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بعدهمْ فِي التمندل بعد الْوضُوء، وَمن كرهه إِنَّمَا كرهه من قبل أَن الْوضُوء يُوزن. قَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا كره المنديل بعد الْوضُوء؛ لِأَن الْوضُوء يُوزن.
وَأما الحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة فَغَرِيب جدًّا لَا أعلم من رَوَاهُ عَنْهَا بعد الْبَحْث التَّام عَنهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث مَيْمُونَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «ناولت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد اغتساله ثوبا فَلم يَأْخُذهُ وَانْطَلق وَهُوَ ينفض يَدَيْهِ» هَذَا لفظ البُخَارِيّ، وَلَفظ مُسلم «أتيت بالمنديل فَلم يمسهُ وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا- يَعْنِي ينفضه».
وَأما الحَدِيث الثَّالِث: فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي هَذَا الْبَاب عَن عَلّي بن مُحَمَّد، ثَنَا وَكِيع، ثَنَا ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد قَالَ: «أَتَانَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَضَعْنَا لَهُ مَاء فاغتسل، ثمَّ أتيناه بملحفة ورسية فَاشْتَمَلَ بهَا، فَكَأَنِّي أنظر إِلَى أثر الورث عَلَى عكنه».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي اللبَاس بالسند الْمَذْكُور وَاللَّفْظ، إِلَّا أَنه قَالَ: «فَوَضَعْنَا لَهُ مَاء يتبرد بِهِ فاغتسل، ثمَّ أَتَيْته بملحفة صفراء فَرَأَيْت أثر الورس عَلَى عكنه».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وهِشَام بن عمار الْمَعْنى، قَالَ مُحَمَّد: نَا الْوَلِيد بن مُسلم، أَنا الْأَوْزَاعِيّ، سَمِعت يَحْيَى بن أبي كثير يَقُول: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن قيس بن سعد قَالَ: «زارنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي منزلنا فقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. قَالَ: فَرد سعد ردًّا خفيًّا. قَالَ قيس: فَقلت: أَلا تَأذن لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: ذره يكثر علينا من السَّلَام. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. فَرد سعد ردًّا خفيًّا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. ثمَّ رَجَعَ رَسُول الله، وَأتبعهُ سعد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت أسمع تسليمك وأرد عَلَيْك ردًّا خفيًّا لتكثر علينا من السَّلَام. قَالَ: فَانْصَرف مَعَه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمر لَهُ سعد بِغسْل فاغتسل، ثمَّ نَاوَلَهُ ملحفة مصبوغة بزعفران أَو ورس فَاشْتَمَلَ بهَا، ثمَّ رفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك ورحمتك عَلَى آل سعد بن عبَادَة قَالَ: ثمَّ أصَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّعَام، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف قرب لَهُ سعد حمارا قد وطأ عَلَيْهِ بقطيفة، فَركب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سعد: يَا قيس، اصحب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ قيس: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اركب. فأبيت، ثمَّ قَالَ: إِمَّا أَن تركب وَإِمَّا أَن تَنْصَرِف. فَانْصَرَفت».
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك سَوَاء إِلَّا أَنه قَالَ: «ثمَّ نَاوَلَهُ- أَو ناولته الْمَرْأَة- ملحفة مصبوغة بورس وزعفران» من غير تردد وَلَا شكّ، وَكَذَا هُوَ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عمر بن عبد الْوَاحِد وَابْن سَمَّاعَة، عَن الْأَوْزَاعِيّ مُرْسلا لم يذكرَا قيس بن سعد. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابه عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة مُتَّصِلا ومرسلاً.
قَالَ الْحَازِمِي: هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي سَنَده: رَوَاهُ وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة، عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد. وَرَوَاهُ عَلّي بن هَاشم بن الْبَرِيد، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن قيس بن سعد لم يذكر ابْن شُرَحْبِيل بَينهمَا.
وَسَيَأْتِي اخْتِلَاف آخر أَيْضا فِي إِسْنَاده، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الصّلاح: إِن إِسْنَاده مُخْتَلف وَتَابعه النَّوَوِيّ عَلَى ذَلِك وَزَاد: وَأَنه ضَعِيف. وَجزم فِي الْخُلَاصَة بضعفه وحاشاه من ضعف الْإِسْنَاد؛ فأسانيده إِمَّا حَسَنَة وَإِمَّا صَحِيحَة، أما إِسْنَاد ابْن مَاجَه فَحسن لَيْسَ فِيهِ من تكلم فِيهِ إِلَّا ابْن أبي لَيْلَى، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: مَحَله الصدْق.
وَأما إِسْنَاد أبي دَاوُد فَصَحِيح كل رِجَاله فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا هِشَام بن عمار فَانْفَرد بِالْإِخْرَاجِ لَهُ البُخَارِيّ، وَهُوَ حَافظ ثِقَة وَكلهمْ ثِقَات لَا نعلم فيهم طَعنا بِوَجْه من الْوُجُوه إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم فَإِنَّهُ قد رمي بالتدليس، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَته فارتفعت وصمة التَّدْلِيس.
وَأما إِسْنَاد النَّسَائِيّ: فَرَوَاهُ أَولا عَن أبي يُوسُف مُحَمَّد بن أَحْمد الصيدلاني الرقي، عَن عِيسَى بن يُونُس، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل، عَن قيس بن سعد بن عبَادَة «جَاءَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد...» الحَدِيث.
والصيدلاني هَذَا كَانَ حَافِظًا، رَوَى عَنهُ أَبُو حَاتِم وصدَّقه، وَأخرج لَهُ مَعَ النَّسَائِيّ ابْن مَاجَه. وَعِيسَى بن يُونُس هُوَ ابْن أبي إِسْحَاق أحد الْإِعْلَام فِي الْحِفْظ وَالْعِبَادَة، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا. وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَمُحَمّد كَذَلِك، وَابْن أبي لَيْلَى تقدم تَوْثِيق أبي حَاتِم لَهُ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى كَرِوَايَة أبي دَاوُد سَوَاء.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن شُعَيْب بن شُعَيْب- وَهُوَ ثِقَة- عَن عبد الْوَهَّاب بن سعيد- وَهُوَ ثِقَة أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا- عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق- وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ- عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ: «زار رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن عبَادَة...» فَذكره مُرْسلا.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم- وَهُوَ الْمروزِي، لَا أعلم فِيهِ جرحا وَلَا تعديلاً- عَن ابْن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى سَعْدا زَائِرًا..» مُرْسل.
قلت: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه لَيْسَ فيهم من طعن فِيهِ إِلَّا ابْن أبي لَيْلَى، وَغَيرهَا من الطّرق جَائِزَة لَهَا، فَالصَّوَاب إعلال هَذَا الحَدِيث باخْتلَاف إِسْنَاده كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ الحافظان الْحَازِمِي وَابْن الصّلاح، وَعَلَى أَن الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ من ثِقَة غير قَادِح، وَقد أخرج الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ابْن مَاجَه، وَلم يعقبها بِشَيْء وَلم يذكر سواهَا.
فَإِذا وضح لَك ذَلِك فلنعد إِلَى تَفْسِير غَرِيب مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث. فَنَقُول: الملحفة- بِكَسْر الْمِيم- مُشْتَقَّة من الالتحاف وَهُوَ الاشتمال. والورس ثَمَر أصفر- وَيُقَال: أَحْمَر- بشجر يكون بِالْيمن يصْبغ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوف، يُقَال إِنَّه إِذا زرع فِي الأَرْض سنة أَقَامَ عشر سِنِين ينْبت ويثمر.
وَوَقع فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم من طَرِيق ابْن مَاجَه وَرسِيّة:- بواو مَفْتُوحَة، ثمَّ رَاء سَاكِنة، ثمَّ سين مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مُشَدّدَة- وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَشْهُور فِي كتب اللُّغَة ملحفة وريسة- بِكَسْر الرَّاء وَبعدهَا يَاء سَاكِنة، ثمَّ سين مَفْتُوحَة، ثمَّ هَاء- وَمَعْنَاهُ مصبوغة بالورس.
وَقَوله: «عَلَى عُكَنه» هُوَ- بِضَم الْعين وَفتح الْكَاف- جمع عُكْنة- بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْكَاف- قَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: العكنة الانطواء فِي بطن الْجَارِيَة من السّمن، وَوَاحِدَة العكن: عكنة. وَيُقَال: تعكن الشَّيْء تعكنًا إِذا ركم بعضه عَلَى بعض فانثنى. قَالَ النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَقد رَأَيْت لبَعض مصنفي أَلْفَاظ الْمُهَذّب إنكارًا عَلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي هَذِه اللَّفْظَة فَقَالَ: هَذِه زِيَادَة لَيست فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَهَذَا الْإِنْكَار غلط مِنْهُ؛ بل هَذِه اللَّفْظَة مَوْجُودَة فِي الحَدِيث مُصَرح بهَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
قلت: وسنَن ابْن مَاجَه كَمَا تقدم. وَقَوله: «وَأمر لَهُ سعد بغُسل» هُوَ بِضَم الْغَيْن؛ أَي: مَا يغْتَسل بِهِ، وَلَفْظَة الْغسْل مُثَلّثَة؛ فَهِيَ بِكَسْر الْغَيْن: اسْم لما يغسل بِهِ الرَّأْس من سدر أَو خطمي وَنَحْوهَا، وَبِفَتْحِهَا: مصدر، وَهُوَ اسْم للْفِعْل بِمَعْنى الِاغْتِسَال، وَبِضَمِّهَا: مُشْتَرك بَين الْفِعْل وَالْمَاء، وَالثَّانِي هُوَ المُرَاد بِهِ فِي حَدِيث قيس هَذَا قَالَ ذَلِك كُله ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب ثمَّ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ قَالَ: فَحصل فِي الْفِعْل لُغَتَانِ: الْفَتْح وَالضَّم. قَالَ: وَزعم جمَاعَة مِمَّن صنف فِي أَلْفَاظ الْفِقْه أَن الْفِعْل لَا يُقَال إِلَّا بِالْفَتْح، وغلطوا الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم بَاب غُسل الْجَنَابَة وَالْجُمُعَة وَنَحْوه- بِالضَّمِّ- وَهَذَا الْإِنْكَار غلط؛ بل هما لُغَتَانِ كَمَا ذكرنَا.